فصل: (سورة الحج: الآيات 42- 46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} الجملة مستأنفة مسوقة للإذن بقتال المشركين، كان المؤمنون يأتون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يشكون فيقول لهم «اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال» حتى هاجر فنزلت هذه الآية وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية.
و{أذن} فعل ماضي مبني للمجهول والمأذون فيه محذوف للعلم به أي أذن للذين يقاتلون في القتال و{للذين} متعلقان بأذن وجملة {يقاتلون} صلة و{يقاتلون} مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{بأنهم} متعلقان بأذن أيضا والباء للسببية أي بسبب ظلمهم وجملة {ظلموا} خبر أنهم {وإن اللّه على نصرهم لقدير} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة للوعد لهم بالنصر على طريق الرمز والَكِناية، وان واسمها وقدير خبرها واللام المزحلقة و{على نصرهم} متعلقان بقدير.
{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يقولوا رَبُّنَا اللَّهُ} {الذين} نعت أو بدل من الموصول الأول، ولك أن ترفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف تنويها بقدرهم ورفعا لشأنهم، وجملة {أخرجوا} صلة والواو نائب فاعل و{من ديارهم} متعلقان بأخرجوا و{بغير حق} حال و{إلا} أداة استثناء و{أن يقولوا} المصدر المؤول مستثنى منقطع في محل نصب واختار الزمخشري وغيره أن يكون الاستثناء مفرغا لوجود النفي بغير فإلا أداة حصر و{ان يقولوا} في محل جر على الابدال من {حق} أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ومثله {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} و{ربنا} مبتدأ و{اللّه} خبر والجملة في محل نصب مقول القول.
{وَلولا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} الواو استئنافية و{لولا} حرف امتناع لوجود متضمن معنى الشرط و{دفع اللّه} مبتدأ محذوف الخبر وجوبا و{الناس} مفعول به لدفع لأنه مصدر مضاف إلى فاعله وهو {اللّه} والمعنى ولولا أن دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لغلب المفسدون وتعطلت المصالح ويقل عمله عكسه وهو أن يضاف المصدر إلى مفعوله ثم يأتي فاعله مرفوعا كقول الاقيشر الاسدي:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب ** قرع القواقيز أفواه الأباريق

فقرع بالقاف والعين المهملة مرفوع على الفاعلية بأفنى وهو مصدر مضاف إلى مفعوله وهو القواقيز بقافين وزاي معجمة: أقداح يشرب بها الخمر واحدها قاقوزة بزاءين معجمتين فجمعها قوازيز، وأفواه فاعل المصدر وهو جمع فم وأصله فوه فلذلك ردت في الجمع على أنه روي البيت بنصب الأفواه فيكون من القسم الأول.
و{بعضهم} بدل بعض من {الناس} و{ببعض} متعلق بـ {دفع} واللام واقعة في جواب {لولا} وهدمت فعل ماض مبني للمجهول و{صوامع} نائب فاعل و{بيع وصلوات ومساجد} عطف على {صوامع} وأخر ذكر المساجد لأن الصوامع والبيع والَكِنائس أقدم منها في الوجود وجملة يذكر صفة للمواضع المذكورة و{فيها} متعلقان بيذكر و{اسم اللّه} نائب فاعل و{كثيرا} صفة لمصدر محذوف أي ذكرا كثيرا أو صفة لظرف محذوف أي وقتا كثيرا.
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الواو استئنافية واللام موطئة للقسم وينصرن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. و{اللّه} فاعل و{من} موصول مفعول به وجملة {ينصره} صلة وجملة ان وما بعدها تأكيد لتعليل النصر و{اللّه} اسمها واللام المزحلقة وقوي خبرها الأول و{عزيز} خبرها الثاني.
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}.
{الذين} بدل من {الذين} السابقة أو نعت ثان للذين الأولى أو خبر لمبتدأ محذوف ولك وجه آخر وهو أن تعربها بدلا من {من ينصره} ذكر هذا الوجه الزجاج قال: أي لينصرن اللّه الذين إن مكناهم، و{إن} شرطية و{مكناهم} فعل ماض وفاعل ومفعول به وهو في محل جزم فعل الشرط و{في الأرض} متعلقان بمكناهم و{أقاموا} فعل ماض وفاعل وهو في محل جزم جواب الشرط و{الصلاة} مفعول به وما بعده عطف عليه.
{وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأمور} الواو استئنافية أو عاطفة و{للّه} خبر مقدم و{عاقبة الأمور} مبتدأ مؤخر.

.الفوائد:

الجهاد ذروة سنام الإسلام:
والأحاديث في الجهاد كثيرة نورد منها ما يسمو إلى ذروة البلاغة جريا على نهجنا في هذا الكتاب فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه: «سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان باللّه ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل اللّه، قيل: ثم ماذا؟ قال: حجّ مبرور» رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه.
وعن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه «أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج بالناس قبل غزوة تبوك فلما أن صبح صلى بالناس صلاة الصبح ثم إن الناس ركبوا فلما أن طلعت الشمس نعس الناس على إثر الدّلجة ولزم معاذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتلو إثره والناس تفرقت بهم ركابهم على جوادّ الطرق تأكل وتسير فبينا معاذ على إثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وناقته تأكل مرة وتسير أخرى عثرت ناقة معاذ فحنكها بالزمام فهبت حتى نفرت منها ناقة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم ان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كشف عنه قناعه فالتفت فإذا ليس في الجيش أدنى إليه من معاذ فناداه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال:
يا معاذ فقال لبيك يا رسول اللّه قال: ادن دونك فدنا منا حتى لصقت راحلتاهما إحداهما بالأخرى فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
ما كنت أحسب الناس منا بمكانهم من البعد فقال معاذ: يا نبيّ اللّه نعس الناس فتفرقت ركابهم ترتع وتسير فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: وأنا كنت ناعسا فلما رأى معاذ بشر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلوته له فقال: يا رسول اللّه: ائذن لي أن أسألك عن كلمة أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
سل عما شئت، قال: يا نبي اللّه حدثني بعمل يدخلني الجنة لا أسألك عن شيء غيره؟ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: بخ بخ بخ لقد سألت لعظيم ثلاثا وإنه ليسير على من أراد اللّه به الخير، وانه ليسير على من أراد اللّه به الخير وإنه ليسير على من أراد اللّه به الخير فلم يحدثه بشيء إلا أعاده رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات حرصا لكيما يتقنه عنه فقال نبي اللّه صلى الله عليه وسلم: تؤمن باللّه واليوم الآخر وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتعبد اللّه وحده لا تشرك به شيئا حتى تموت وأنت على ذلك، قال يا رسول اللّه أعدلي فأعادها ثلاث مرات ثم قال نبي اللّه صلى الله عليه وسلم: إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر وقوام هذا الأمر وذروة السّنام؟ فقال معاذ: بلى يا رسول اللّه حدثني بأبي أنت وأمي فقال نبي اللّه صلى الله عليه وسلم إن رأس هذا الأمر: أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإن قوام هذا الأمر: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وان ذروة السّنام منه الجهاد في سبيل اللّه، انما أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فاذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على اللّه وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرّت قدم في عمل تبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل اللّه ولا ثقّل ميزان عبد كدابّة تنفق في سبيل اللّه أو يحمل عليها في سبيل اللّه»
.

.[سورة الحج: الآيات 42- 46]:

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إبراهيم وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلَكِناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}.

.اللغة:

{بِئْرٍ}: في المختار: بأر بئرا بهمزة بعد الباء حفرها ربابه قطع. والبئر فعل بمعنى مفعول كالذبح بمعنى المذبوح حفرة في الأرض عظيمة يستقى منها الماء والجمع آبار وأبآر وبئار وأبؤر وهي مؤنثة. وفي الأساس: الفاسق من ابتأر، والفويسق من ابتهر يقال:
ابتأرت الجارية إذا قال فعلت بها وهو صادق وابتهرتها إذا قال ذلك وهو كاذب وأنشد الكميت:
قبيح بمثلي نعت الفتا ** ة إما ابتهارا وإما ابتئارا

{مُعَطَّلَةٍ} متروكة بموت أهلها مع أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء.
{مَشِيدٍ}: مرتفع مجصص من شاد البناء أي رفعه ويقال شيّد وأتى به في النساء من شيّد لأنه هناك وقع بعد جمع أما هنا فقد وقع بعد مفرد فناسب التخفيف.

.الإعراب:

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وانه ليس بأوحدي في التكذيب، {وإن} شرطية و{يكذبوك} فعل الشرط والواو فاعل والكاف مفعول به، {فقد} الفاء رابطة للجواب لاتصاله بقد وقد حرف تحقيق و{كذبت} فعل ماض والتاء تاء التأنيث الساكنة والجملة في محل جزم جواب الشرط و{قبلهم} ظرف زمان متعلق بـ {كذبت} و{قوم نوح} فاعل {وعاد وثمود} معطوفان على {قوم} وأنّث القوم باعتبار معنى الأمة أو القبيلة ولم يقل قوم عاد وثمود استغناء بشهرتهما بهذين الاسمين.
{وَقَوْمُ إبراهيم وَقَوْمُ لُوطٍ} عطف على ما تقدم.
{وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ} {وأصحاب مدين} عطف وعدل عن قوم شعيب لأن أصحاب مدين أعرق من أصحاب الأيكة في التكذيب فلذلك خصهم بالذكر، {وكذب} فعل ماض مبني للمجهول وموسى نائب فاعل وخالف في الكلام فلم يقل قوم موسى لأنه لما صدر الكلام بحكاية تكذيبهم ثم عدد أصناف المكذبين وطوائفهم ولم ينته إلى موسى إلا بعد طول الكلام حسن تكريره ليلي قوله: {فأمليت} فيتصل المسبب بالسبب كما قال في آية: {ق} بعد تعديدهم: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} فربط العقاب والوعيد ووصلهما بالتكذيب بعد أن جدد ذكره، {فأمليت} الفاء عاطفة وأمليت فعل وفاعل و{للكافرين} متعلقان بأمليت.
{ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} {ثم} حرف عطف للترتيب مع التراخي و{أخذتهم} فعل وفاعل ومفعول به، {فكيف} الفاء عاطفة وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر {كان} المقدم و{نكير} اسم كان أي إنكاري فحذفت الياء والنكير مصدر بمعنى الإنكار والتغيير حيث أبدلهم بالنعمة نقمة وبالحياة هلاكا وبالبناء خرابا وسيأتي معنى الاستفهام في باب البلاغة.
{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أهلَكِناها وَهِيَ ظالِمَةٌ} الفاء استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتأكيد ما تقدم بضرب الأمثلة والشواهد وكأين خبرية ومحلها الرفع على الابتداء و{من قرية} تمييز كأين وقد تقدم تحقيقه وجملة {أهلَكِناها} من الفعل والفاعل والمفعول به خبر كأين ويجوز نصب كأين على الاشتغال بفعل محذوف يفسره {أهلَكِناها} فتكون جملة {أهلَكِناها} مفسرة، وهي ظالمة الواو للحال وهي مبتدأ و{ظالمة} خبر والجملة نصب على الحال.
{فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} الفاء عاطفة وهي مبتدأ و{خاوية} خبر والجملة معطوفة على جملة {أهلَكِناها} و{على عروشها} إما متعلقان بخاوية فيكون المعنى انها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف واما أن يكون خبرا ثانيا لهي كأنه قيل هي خالية وهي {على عروشها} أي قائمة مطلة على عروشها بمعنى أن السقوف سقطت إلى الأرض فصارت في سمت الحيطان وبقيت الحيطان مواثل باهتة مشرفة على السقوف الساقطة وكلا التقديرين جميل ووارد، {وبئر} عطف على {قرية} أي وكم من بئر، و{معطلة} صفة لبئر {وقصر مشيد} عطف أيضا وهل هي بئر معينة وقصر معين أم هما واردان مورد المثل، سيأتي الكلام عن هذا كله في باب الفوائد.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها} الهمزة للاستفهام الإنكاري إن كانوا قد سافروا أو للحث على السفر ليروا مصارع من تقدمهم، والفاء عاطفة على مقدر يقتضيه المقام أي أغفلوا وأهملوا وسافروا فلم ينتفعوا، ولم حرف نفي وقلب وجزم و{يسيروا} فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعله و{في الأرض} متعلقان بيسيروا فتكون الفاء للسببية وتكون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية و{لهم} خبر تكون المقدم و{قلوب} اسمها المؤخر وجملة {يعقلون} صفة لقلوب و{بها} متعلقان بيعقلون و{أو} حرف عطف و{آذان} عطف على {قلوب} وجملة {يسمعون بها} صفة لآذان وواضح أن التفريع على المنفي يوجب النفي أيضا.
{فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الفاء للتعليل وان واسمها والضمير يعود على القصة أو الشأن وجملة {لا تعمى الأبصار} خبر {ولَكِن} الواو عاطفة و{لَكِن} حرف استدراك أهمل لأنه خفف و{تعمى القلوب} فعل مضارع وفاعل و{التي} صفة {القلوب} و{في الصدور} متعلقان بمحذوف صلة الموصول وسيأتي سر قوله: {في الصدور} في باب البلاغة.

.البلاغة:

1- الاستفهام في قوله تعالى: {فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} معناه التقرير وهو حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه ويماري فيه، ويلجأ إلى المكابرة والسفسطة في مخالفته، وقال أبو حيان: ويصحب هذا الاستفهام معنى التعجب فكأنه قيل ما أشد ما كان إنكاري عليهم. وهذا واضح أيضا فالاستفهام إذن للتقرير التعجبي.
2- الانفصال في قوله تعالى: {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} فإن لقائل أن يقول ان القلوب لا تكون إلا في الصدور فأية فائدة في ذكر ما هو متعارف وكائن لأنه معلوم والانفصال عن ذلك أن يقال ان المتعارف ان العمى الحقيقي مكانه البصر لأنه إصابة الحدقة بما يطمس نورها واستعماله في القلب مجاز فلما أريد نقله من الحقيقة إلى المجاز كان الكلام بمثابة إثبات ما هو خلاف المتعارف وما هو الأصل فاحتاج إلى زيادة تعيين ليتقرر أن العمى مكانه هو القلوب لا الأبصار كما تقول ليس المضاء للسيف ولَكِنه للسانك الذي بين فكيك فقوله بين فكيك تقرير لما ادعيته للسانه ونفي المضاء عن السيف وهو المتعارف وهذا من أوابد البيان فافهمه، وجملة الأمر ان الخلل ليس في مشاعرهم فهي سليمة لا عيب فيها وإنما الخل الفار المشيد: قيل هما خاصان قال الخطيب الشربيني في تفسيره: روي أن هذه البئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ونجاهم اللّه تعالى من العذاب وهي بحضرموت.
وإنما سميت بذلك لأن صالحا حضرها حين مات وثم بلدة عبد البئر اسمها حاضورا بناها قوم صالح وأمّروا عليهم جلهس بن جلاس وأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما وأرسل اللّه إليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه فأهلكهم اللّه تعالى وعطل بئرهم وخرب قصورهم والأولى أن تكون البئر عامة وأن يكون القصر عاما أي كم من قرية أهلَكِناها وكم من بئر عطلناها من سقاتها وكم من قصر مشيد تفرق عنه أهلوه وتحمل عنه ساكنوه.